الفلسفة الأخلاقية عند كانط
ادعي مند الوهلة الأولى أن عزل الأفكار الفلسفية عن سياقها التاريخي و إطارها المعرفي يفقدها الكثير من قوتها الحجاجية .لفهم فلسفة الأخلاق بحجم الفلسفة الكانطية,يجب أن نقرأ المشروع الكانطي بأكمله .يدعي بعض الدارسين لفلسفة كانط أن كتاب نقد العقل العملي هو استمرار ايبستمولوجي لكتاب نقد العقل الخالص.
يقوم المشروع الكانطي برمته على مفهوم الحرية,باعتباره المبدأ المحرك للفلسفة الكانطية بأكملها .داخل كتاب نقد العقل الخالص هناك دعوة صريحة بحرية العقل في أن يدعي ما يشاء و كيفما يشاء لكن في حدود معارفه , أي في الشروط الترانسندنتالية للتجربة ,يصرح كانط أن أفكار العقل الخالص عبارة عن قيم ,تعتبر الحرية هي القيمة المركزية التي يبنى عليها العقل العملي ,إنها شرط تعيين القانون الأخلاقي , في حين تظل قيمتي وجود الله و خلود النفس شرطان لموضوع الإرادة لتحقق القانون الأخلاقي في العالم وموضوعه هو الخير الأسمى .
إن الإشكالية أساسية التي أطرت كانط مند مقدمة نقد العقل العملي,محاولة إثبات عقل عملي محض ؟ تم يتساءل مشروعية القانون الأخلاقي باعتباره تعيين عام للإرادة الخالصة .ثم موقع الفعل الحر بين القانون الأخلاقي وتحقق القانون الأخلاقي؟
انطلق كانط في كتاب نقد العقل العملي من مسلمات أساسية , الله النفس و الحرية وهي أفكار العقل الخالص ’ سيعتبر هاته الأفكار كقيم أفلاطون عندما وضع عالم المثل , وضعه كقيم .
فالقيم هي أفكار يشكلها العقل , حينما يوحد ما سبق أن وحده الفهم .
يؤسس كانط العقل العملي العلى الخاصية المحضة للعقل , فأول ما يكتشفه العقل هو ذاته كحرية , القانون الأخلاقي يجب أن يكون تعيين عام للإرادة و الحرية يجب أن تتماهى مع استقلالية الإرادة .
يعترف كانط بوجود قانون أخلاقي موضوعي , قائم على الخاصية المحضة للعقل,ومستقل عن التجربة .
يجب على القانون الأخلاقي أن يتميز بميزتي الشمول و الكونية , فهاتين الخاصيتين مستخلصتان من الخاصية المحضة للعقل , و العقل العملي لا يعبر إلا عن حرية العقل , إنه
قانون الإرادة الخالصة و المستقلة عن كل باعث حسي قد يوقعها في
Heteronomié.
استقلالية الإرادة هي الأساس الفكري الذي تقوم عليه جميع أفعال الكائن العاقل, و لا يمكن قبول هذا الأمر, إلا إذا كانت هده الإرادة إرادة حرة, و الفعل الحر الوحيد هو فعل التشريع,
تأمرنا مبادئ القانون الأخلاقي بأن نفكر في حكمة إرادتنا كمبدأ كامل لتشريع شامل,الوعي الوحيد هو الوعي بالقانون الأخلاقي مشرع في الأصل,العقل العملي المحض هو الملكة الوحيدة التي تسن القوانين من دون وساطة في ملكة الرغبة , من هذا المنطلق يسمى العقل العملي محضا , وملكة الرغبة تجد تحديد في ذاتها تسمى بحصر المعنى إرادة , أي إرادة مستقلة بذاتها أي حرة .
القانون الأخلاقي هو الذي يسمح للإرادة بتحقيق ذاتها كشكل خالص لتشريع شامل ,بواسطة القانون الأخلاقي نعرف أننا أحرر,ير كانط أن الكائنات الحرة العاقلة وحدها من تخضع للعقل العملي , و هذا الأخير يشرع بصدد كائنات عاقلة حرة , و هذه الأخيرة تخضع لسببية حرة يقول كانط " القانون الأخلاقي هو قانون الحرية بعلية".
سيعتبر كانط الحرية قيمة من قيم العقل الخالص , وهي شيء في ذاته , لا يستطيع الفعل النظري أن يعرفها , بينما يستطيع العقل النظري الوقوف على تجلياتها في الأفعال .
تنسب الحرية إلى الشيء في ذاته , وهنا ينبغي تذكر النومين كشيء حر , حيث يتم فهم intelligibilité بوصفها كائنات عاقلة خاضعة لسببية حرة.
يعطي العقل العملي عند كانط لمفهوم الحرية حقيقة موضوعية , إنه يشرع بصدد الشيء في ذاته.أي أن القانون الأخلاقي هو قانون وجدنا المعقول كمشرع في الأصل . ويستعمل كانط لفظ التشريع باستعمالين : 1 التشريع بمفاهيم الطبيعية , الذي يشرع فيه العقل انطلاقا من ملكة المعرفة , ميدان هذا الأخير هو الظاهرات .
2 التشريع بمفهوم الحرية, الذي يشرع فيه العقل انطلاقا من ملكة الرغبة, أي في المصلحة العملية الخاصة بالإرادة وهو مجال الأشياء في ذاتها كنومينات ’ العقل العملي عندما يشرع فهو يشرع لكائنات حرة و عاقلة , فالكائن الحر و العاقل يعطي نفسه قانون بعقله و يمكن اعتبار الذات : ذات ومشرعة في نفس الآن و الحين .
الإرادة تعطي نفسها قانون يفتر ض حريتها, ويلزم أن يكون هذا القانون صوري محض, من هنا تكون الإرادة مستقلة ذات سيادة و القانون يقول ما يجب فعله وما يجب تركه, وهذا هو الأمر المطلق.
الإرادة الحرة خاضعة للقوانين, فالإنسان لا يستطيع أن يفعل فعلا إلا تحت تأثير الحرية, وهذه الخاصية هي خاصية كل الكائنات العاقلة.
الإنسان من حيث ينتمي إلى عالم الظواهر فهو خاضع لحتمية طبيعية ,ومن حيث يمتلك طبيعة فوق محسوسة ينتمي إلى عالم النومينات, و لا يمكن أن نتصور إرادته إلا من خلال فكرة الحرية ’ يعني أن رغباته مستقلة عن رغباتنا الحسية,الاستقلال الذاتي للإرادة هو الأساس الفكري التي تقوم عليه أفعال الكائنات العاقلة .
القانون الأخلاقي هو قانون تعيين الإرادة , وهو قانون قبلي مستقل عن كل ما هو تجريبي وعن رغباتنا الحسي و أكثر أنانية و القانون الأخلاقي هو صورة السببية العقلية الحرة , إن كان هناك شيء يستحق الاحترام فهو القانون الأخلاقي , و الاحترام شعور أخلاقي يمثل الإرادة الحرة الإرادة ترتبط بصورة الخير لا بمادته .
إذن القانون الأخلاقي وحده من يستحق الاحترام , و الاحترام شعور قبلي وعلة تحديده توجد في العقل العملي .يقول كانط إن الشعور بالاحترام هو الشعور الأخلاقي الوحيد المتفق مع مبدأ الأخلاقية , ذلك أن الشعور بشكل عام , مرتبط بما هو تجريبي حسي قائم بالأساس على اللذة, ومادية الخير و الشر , الشعور بالاحترام هو عين الأخلاقية, وهو الدافع أو الباعث الوحيد للإرادة .
القانون الأخلاقي صادر عن العقل العملي الخالص, ويعبر كانط عنه بصيغة صورية يتم بها تحديد الفعل , فإذا كان الفعل خيرا , فهو صادر عن احترام القانون ,وتكون قاعدته هي منشأ الأخلاقية , يتحدد القانون الأخلاقي كمبدأ خالص و إرادة مستقلة قبليا ,عندما يكون هذا القانون أمرا مطلقا , يكون تحديد الفعل في الإرادة أمرممكن ,و الواجب هو ذلك الفعل الذي يحتم علينا الإلزام المطلق .
يميز كانط بين فعل صادر عن وعي الفاعل وفق الواجب و فعل ناتج عن وعي الفاعل عن واجب, فالفعل الأول هو فعل يتم وفق القانون الأخلاقي , أما الفعل الثاني فهو نابع عن فعل يتم عن احترام القانون .
لفظ الواجب يحمل في طياته صفات الخضوع و الأمر الواجب هو الخضوع لقانون ما , و ينبغي بأ ن نعمل وفق قاعدة شمولية و كونية, فالإرادة الحرة هي العزم على أداء الواجب يقول كانط " إن قيمة الواجب لا يمكن أن توجد إلا في مبدأ الإرادة,بغض النظر عن الغايات التي تتحقق عن طريقها , ذلك أن الإرادة تقع موقع وسط بين مبدئها القبلي الصوري و البواعث الداعية إليها وهي مادية ,ولما كان من الضروري أن تحدد عن طريق شيء ما ,فلا بد لها أن تحدد عن طريق المبدأ الصوري للإرادة بوجه عام" إذن الواجب أمر مطلق و صادر عن العقل , وهو أمر مطلق و ويميز كانط في مبحث الأخلاقية بين نوعين من الأوامر هناك الأوامر الشرطية و الأوامر القطعية .
فالأولى مرتبطة بغاية محددة, تتأسس على الميول الحسية و على رغبات الجسد, و لا تعبر مطلقا عن مفهوم الواجب و لأنها ترتبط بمادة القانون الأخلاقي و ليس بصورته.
أما الأوامر القطعية فهي التي تدخل ضمن نطاق القانون الأخلاقي, وغايتها في نفسها, و لا تعرف إلا بكلية القانون.
يمكن أن نستخلص في الأخير أن الواجب هو قاعدة غير مشروطة للفعل , وهو قانون سابق على كل تجربة .
وصوت الواجب نابع من القانون الأخلاقي, وهذا الأخير هو الدافع الوحيد للإرادة الحرة, أما الخير الأسمى فهو تحقيق هذا الفعل و وهو موضوع العقل العملي المحض , بدونه لا يمكن أن تتحقق الأخلاقية في العالم ,.
يحتوي مفهوم الخير الأسمى على فكرتين أساسيتين هما السمو, و الاكتمال.
ففكرة السمو تعبر عن فضيلة الخير لأجل ذاته, أما فكرة الاكتمال فتعبر عن السعادة.
يعتقد كانط أن فكرة الخير الأسمى فكرة غامضة جدا ,بالنسبة إلى كانط ليس هناك علاقة تحليلية و لا تركيبية بين الفضيلة السعادة.
كي يحل كانط مشكل الخير الأسمى طرح في البداية مشكل الوعي الذاتي كفاعلية أساسية قبل أن يستعين بفكرتي خلود النفس و وجود الله .
يرى كانط أن مهمة الذات في كتاب نقد العقل الخالص محاولة ربط وتوحيد, و إضفاء القيمة على المعارف ,من هنا سيتكلم كانط عن الذات كقيمة ,أي باعتبارها المسؤولية عن تشكيل القيم ,فالذات ليست ظاهرة و لا نومين , القيم هي تمثلاتنا لما يجب أن نفعله , وهي تتضمن صورة تلك الأفعال , نمط وجود الفكرة هو نفس نمط وجود القيمة .
يعتبر كانط أن الخير الأسمى مؤسس على النموذج الذاتي إن تحقيق القانون الأخلاقي , باعتبار أن هذا الأخير موجه للكائنات عاقلة ,هو أمر شبه مستحيل لذلك قرر كانط أن يتنازل قليلا .
ميز كانط بين نوعين من الإنسان : 1 الإنسان النظري المتعالي , هو الإنسان الذي يبحث عن القانون الأخلاقي الصوري الموجه إلى الكائنات العاقلة ,
2 الإنسان العادي هو الذي يربط الفعل الأخلاقي بالغائية من جهة و الفعل و المنفعة من جهة أخرى.فالأمر الأخلاقي عند هذا النوع من الإنسان هو أمر شرطي.
سيتساءل كانط في إطار حديثه عن الخير الأسمى عن موقع التجربة داخل مبحث الأخلاقية , أي عن التجربة كشرط الموضوعية داخل الأحكام الأخلاقية .
يرى كانط أن العقل الأخلاقي يضع موضوعه وضعا, لأن موضوع القصدية هو موضع الأحكام الأخلاقية , العقل العملي يضع موضوعه بشكل قصدي , داخل العقل العملي نجد أن الإرادة هي أساس الموضوعية, فالإرادة الطيبة هي أساس التجربة الأخلاقية , و هذه الأخيرة هي فكرة و فعل,فالفعل يعطي الوجود للفكرة , و الفكرة تعطي المضمون للفعل .
سيتكلم كانط عن الخير الأسمى باعتباره وحدة القيم , فهو الغاية القصوى للاستقلالية الإرادة و هو الموضوع الحقيقي للعقل العملي الخالص , لكي يتحقق الخير الأسمى في العالم يجب أن تتفقا لفضيلة مع السعادة , تحقق الخير الأسمى في العالم هو موضوع ضروري للإرادة المحددة بالقانون الأخلاقي ,و تطابق القانون مع الإرادة هو كمال للكائن العاقل , وهو مطلب ضروري للارتقاء النفس إلى ما لانهاية و وهذا الأمر لن يتم إلا عن طريق افتراض خلود النفس .
أما افتراض وجودا لله كمصادرة للعقل العملي الخالص,من أجل تحقق الشق الثاني من الخير الأسمى ,أي السعادة, هذه الأخيرة هي شرط الموجود العاقل في العالم , لذلك كان من الضروري على كانط أن يسلم بوجود الله,كافتراض ضروري لتحقيق الأخلاقية ومعه الواجب, تحقيق الخير الأسمى يؤذي بنا إلى الدين. فالدين هو معرفتنا بواجباتنا الأخلاقية كأوامر إلهية و ليس بوصفها عقوبات بل بوصفها قوانين للإرادة حرة .
إذن تحقق الأخلاق مرتبط بالتجربة الدينية ,و سيعمل كانط على تأسيس الدين على الأخلاق , و سيقول بوجود دين كوني, قائم على أفكار العقل الخالص.
لقد تعرض النسق الكانطي و خاصة الأخلاقي منه إلى عدة مراجعات, وخصوص مع فيخته .
اعتمد فيخته على مراجعته لكانط انطلاقا من فلسفة الإرادة ,يعتقد فيخته أن الفلسفة منظومة للعقل البشري تسعى إلى أيجاد الترابط بين المعارف و العلوم.و اعتبر الحرية كاستقلالية ذاتية , قوامها تعيين الذات , الذات أو الأنا تسعى إلى تعيين العقل العملي نفسه داخل الإرادة .
أما المرجعة الثانية و التي من الممكن أن نشير إليها, و التي تبدو من وجهة نظرنا المتواضعة أكثر أهمية .مراجعة الكانطية الجديدة على أعقاب النداء "عودة إلى كانط" و خصوصا مع فيلهلم فايندلباند ,وهنريخ ريكارت ,اللذان ينتميان إلى مدرسة بادن.
لقد حاولت هذه المدرسة التركيز على منظومة القيم داخل فلسفة كانط , حيث اعتقدت على عكس كانط أن هناك قيم متعددة داخل البحث الأخلاقي, ولا وجود لقانون كلي بل هناك قوانين خاصة مرتبطة بقيم متعددة نسميها قوانين ايديوغرافية تهدف إلى صياغة قضايا تفصح عن قيم تقديرية.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire