-
المثل من مادة ( مَثَـل ) وأنه إذا كانت هذه المادة قد استعملت بمعان
متعددة فإن هذا يعني أن مصطلح المثل غير محدد , وأنه أسلوب خطاب يفهم نوعه
وأثره دون تحديد علمي دقيق , فالأمثال أسلوب تعبيري تصويري أكثر منه أداءً
بنائياً , أو مضمونياً ممكن التحديد .
-
تلتقي الحكمة مع المثل في بعض وظائفها كالتوجيه والإرشاد , أما هي من حيث
كونها مصطلحاً فهي غير المثل , ولها - من حيث طبيعة كل نوع - ما يميزها عن
المثل فالحكمة
تقرر وتقنع فهي تميل إلى الخطابية , والمثل يغمض ويوحي ويخيل , فهو يميل
إلى التخييل والشعرية , ودلالة الحكمة مباشرة , ودلالة المثل إيحائية ,
ووظيفة الحكمة التوجيه , ووظيفة المثل التصوير والتشخيص .
-
اعتني بجمع الأمثال منذ البدايات الأولى للتدوين , ويعد كتاب " مجمع
الأمثال " للميداني من أبرز الكتب التي تمثل جمع العرب للأمثال , ويتميز عن
غيره باشتماله على أمثال المولدين .
ثم تناولت بعض الخصائص التي تتعلق بفن المثل , وقد تناولت التالي :
-
بداية المثل , وتوصلت إلى أن فن المثل من أبرز وأقدم فنون القول لما يشتمل
عليه من بذور الفنون الأخرى كالإيقاع والخرافة والحكاية على لسان الحيوان ,
والقص والإنشاء , كما يمكن أن نعده ممهداً لظهور الفن الشعري .
- ضرب المثل , وخلصت إلى أن ضرب المثل يعني صوغه وإنشاؤه كما يعني التمثل به . والتمثل بالأمثال يعد من قبيل العمل الإبداعي .
-
سير المثل , وبينت أن أبرز المعايير التي يمكن أن يتميز بها فن الأمثال عن
غيره المعايير , هو معيار السير والذيوع والشهرة , وخلصت إلى أن شهرة
القول وسيره معيار نقدي أكثر منه معياراً أدائياً لغوياً , بل هو آلية
اجتماعية قام بها المجتمع المتلقي , مما يعني أن طبيعة التلقي هي الفيصل
فيما يخص هذا الفن , أو مما يعمل على الإضافة إليه ؛ إذ لا يكون القول
مثلاً إلا إذا شاع واشتهر وتداوله المجتمع المتلقي .
كما
خلصت إلى أن عملية الإبداع في الأمثال عملية خاصة , يجب فيها تضافر القول
الفردي والسلوك الجماعي , المتمثل في التمثل بالمثل وتسييره من قبل جماعة
التلقي ضمن الجماعة اللغوية ؛ إذ بدون الشق الثاني من عملية الإبداع يكون
هذا القول إما مهملاً أو بيتاً شعرياً غير معروف , أو حكمة أو نادرة , لا
يرقى أيٍ منها إلى أن يكون مثلاً , وهنا لم تكتمل عملية الإبداع المقصودة
في المثل , وإن كان هذا القول عملاً إبداعياً في ذاته .
- قيمة المثل وقد عرضت بعض ما قيل عن أهمية الأمثال وقيمتها , وخلصت إلى أن الأسلم
عدم تحديد قيمة الأثر الفني , ومنها الأمثال , بمعيار واحد , وإنما ينظر
إليه على أنه لغة أدبية وفنية خاصة , ثم ينظر إليه وما يؤديه من ارتباطات
مع البيئة والمجتمع , إضافة إلى مضمونه القيمي والفكري أو التاريخي إن وجد ,
ثم موقعه من البناء الاجتماعي والفكري والفني للجماعة اللغوية .
-
المثل في كتب البلاغة , وقد بينت كيف كان تناول علماء البلاغة والنقد في
التراث العربي القديم للمثل بصفته مفهوماً أو فناً , وانتهيت إلى وجود ما
يشبه الإجماع على أن المثل تعبير تصويري , وأن وظيفته الأولى هي التشخيص
للمجرد , وإبراز المعقول في هيئة المحسوس , والاستدلال على المعقول بالقول
التعبيري الإيحائي , ذلك أن الأمثال فن قولي تصويري مجازي يبتعد عن التقرير
والمباشرة , وأنها تشتمل على فنون القول الفني؛ لاشتمالها على ما لم يشتمل
عليه غيرها من الفنون القولية .
أما
الدراسة التحليلية التطبيقية للأمثال في كتاب " مجمع الأمثال " للميداني ,
فقد كانت في الباب الثاني وهي مجزأة في فصلين : الأول يخص التعبير
التصويري للأمثال , والثاني يتعلق بلغة المثل ودلالته , دون إغفال لدور
المثل في التصوير , ذلك أن أهم الوظائف التي تقوم بها الأمثال هي التعبير
بالتصوير . وقد استعان مبدع الأمثال - لإتمام عملية التعبير التصويري -
بوسائط حسية تمثلت في المحيط العام للمبدع بما تشمله من إنسان أو حيوان أو
غير ذلك من المحسوسات , واستغلها لتصوير المجردات والمفاهيم المختلفة ,
وللتوصل بذلك إلى دلالات إيحائية غير مباشرة .
كما
استغل المبدع عدداً من الوسائط الفنية - التي وظف من خلالها العناصر
الحسية في التصوير - ظهرت جلية في أمثال مجمع الميداني , وكان أبرز هذه
الوسائط :
1- الرمز . وقد خلصت إلى أنه يمكن القول إن الأمثال تعبير رمزي في حد ذاتها نظراً
لأدائها الكنائي وقدرتها التصويرية , وإحالتها على البيئة والتاريخ
والعادات والمعتقدات , ولما لها من قدرة تكثيفية واختزالية, ولتأثيرها في
الأحاسيس لمجتمع التلقي وارتباطها بتاريخه وتراثه .
2- المحاكاة
, ومن خلالها يظهر أثر المحيط على التعبير , وكيف يمكن أن يستفيد منه
المبدع , وقد بينت من خلال العرض والتطبيق وجود أنماط متعددة تمظهرت من
خلالها المحاكاة في الأمثال في كتاب الميداني وهي :
محاكاة صادقة , محاكاة إمكان , محاكاة استلهام , محاكاة تخيلية .
3-
السرد والحكاية , وقد بينت - من خلال نماذج تطبيقية - كيف تمظهرت عناصر
السرد عبر اللغة بما فيها اللغة الفنية , وخلال ذلك كنت أتطرق للقضايا
الاجتماعية التي عرضتها تلك البنى السردية , وقد تجلت في لغة السرد في
الأمثال في مجمع الميداني , لغة المجتمع وعاداته التعبيرية , وأساليبه
القولية وعاداته الاجتماعية .
ثم
بينت أثر الأمثال ضمن النص الأدبي , وخلصت إلى أنها تقوم بأداء وظيفة فنية
تتمثل في الإسهام في إنتاج الدلالة و تفعيلها , فضلاً عن إثراء النص
وتضمينه المعارف القيمية والتاريخية والرمزية . ونقصد بالإنتاج أن تخرج
بالصورة التي هي عليها , وبالفاعلية كونها عنصراً قادراً على التأثير في
المتلقي وإيصال الدلالة وتكثيفها بصورة أفضل . وتكمن جمالية التوظيف الفني
للصورة المثلية في أنها استلهام لتعبير تصويري , استلهام لبنية فنية داخل
بنية فنية أخرى .
ولما
كانت اللغة هي الظاهرة الأولى في كل عمل فني يستخدم الكلمة أداة للتعبير ,
بل هي النافذة والمفتاح إلى آفاق النص ورحابه الواسع , ومن خلال اللغة
يمكن أن تتجلى عبقرية الأداء الفني للغة وللمبدع , فقد قمت – في الفصل
الثاني من الباب الثاني - بتحليل المثل في كتاب مجمع الميداني عبر نماذج
منه في المستوى المعجمي والتركيبي والإيقاعي والدلالي.
ولأن
الفن اللغوي إنما هو أداء اللغة بطريقة مغايرة , فقد تناولت المفردات
والتراكيب من اتجاهين : الأول ما هي عليه في الأصل , والثاني ما هي عليه في
المثل , وذلك عبر آلية العدول , وهي آلية لغوية ودلالية تتيح للمبدع
التحرك بحرية في التعبير والإيحاء .
و من الظواهر المتعلقة بالمفردات في أمثال مجمع الميداني :
-
انعكاس البيئة في نص المثل من خلال مفرداته , إذ يظهر عبر مفردات الأمثال
في مجمع الميداني نمط البيئة والحياة الاجتماعية والفكرية , والعادات
والأسماء والمسميات , وغير ذلك مما ينعكس من خلال لغة النص , كما بينت أن
المفردات في الأمثال المولدة تعد انعكاساً للتطور الذي حدث في المجتمع .
-استخدمت
المفردة استخداماً مجازياً يخرج بها عن المباشرة والتقرير , إلى الإيحاء
والاحتمال والتعدد والتأويل , من خلال العدول عن المصدر أو الفعل إلى
المشتق , وأثر ذلك في التعبير والتصوير , أو بوضع المفردة فيما لم توضع له
في الأصل ؛ ذلك أن العدول عن الأصل إلى غيره إنما يكون لدلالة اقتضتها
طبيعة القول وغرضه.
وبينت قيمة العدول على مستوى المفردات ويتمثل في :
1- أحد الخيارات المتاحة لزيادة معاني ودلالات غير ممكنة إلا بألفاظ عدة .
2- إضافة وظائف دلالية وتعبيرية وتركيبية للألفاظ .
3- حماية النص من الترهل والطول , وحمايته أيضاً من تعدد الإيحاءات التي قد تجلبها ألفاظ جديدة جيء بها للدلالة على معنى ما .
4- اقتصادية اللغة وعدم تشتيت المتلقي , وتكثيف الدلالة في اللفظ بزيادة على مبناه الأصلي حيث يمكن للفظ الدلالة على معنى مفهومي وتركيبي بلفظ واحد لم تكن تلك الدلالة من شأنه , وفي هذا إثراء للدلالة .
5- لفت انتباه المتلقي وكسر حاجز الألفة والرتابة , وهذا يعمل على إدهاش المتلقي وتحريك تفكيره .
-ثم تطرق البحث لظاهرة التضاد وقيمتها التعبيرية والفنية والدلالية التي تتمثل في التالي :
1- الإيضاح بأسلوب غير معهود , مما يعمل على إثارة المتلقي وإدهاشه .
2- إبراز قيمة المعاني والصور .
3- تمايز المعاني والصور عن بعضها وإنتاج صور جديدة .
4- الاستدلال على المعاني بغير ما هو لها .
ثم انتقلت إلى التراكيب وبدأت بعرض الأصل في تركيب الجملة العربية .
بعدها انتقلت لبيان أبرز الظواهر التركيبية التي تمثل العدول عن الأصل وهي :
1-
ظاهرة الحذف , وفي هذه الظاهرة اقتصرت على عرض ظاهرة حذف المبتدأ ودلالة
ذلك , فالأساليب اللغوية ليست مجرد حلية , فللجملة عند بنائها على الحذف أو
الإضمار من البيان والتصوير ما ليس لها لو صرح بالمحذوف , وبينت ذلك من
خلال أمثلة تطبيقية لأمثال حذف أو أضمر فيها المبتدأ وأخرى صرح به , ويعمل
الحذف على :
تكثيف العبارة وإيجازها . تحريك المتلقي وإثارة خياله . كسر ألفة ورتابة اللغة.
2-
ظاهرة التقديم والتأخير , وهذه الظاهرة من أبرز الظواهر التركيبية التي
تمثل عدولاً عن الأصل لنمط بناء جملة المثل في مجمع الميداني , وتعمل هذه
الظاهرة على تشويش المتلقي وإثارته , وإعادة النظر في رؤيته للمعنى وفق
النمط البنائي المشتمل على التقديم والتأخير , وقد اقتصرت على بيان تقديم
الخبر وتقديم المفعول به من خلال التركيز على ظاهرة أخرى هي ظاهرة
المجرورات والظرف والإضافة . ومن أهم الوظائف التي يؤديها التقديم والتأخير
بعد كسر المألوف من اللغة , التخصيص والعناية , فضلاً عن التكثيف والإيجاز
.
3-
بعدها تطرق البحث لظاهرة مغايرة للظاهرتين الأوليين حيث كانت الظاهرة
الأولى تمثل النقص في البناء , وتمثل الظاهرة الثانية تغيير المواقع
المألوفة لنمط البناء , أما هذه الظاهرة فتمثل الزيادة في نمط البناء
لدلالة تعبيرية وتصويرية ودلالية , وهي ظاهرة المفعول المطلق . وكما كان
الحذف , أو التقديم والتأخير يؤديان دلالة وظيفة فكذلك المفعول المطلق ,
فقد أدى مجيء المفعول المطلق ضمن جملة المثل إلى :
- تصوير الحدث والعناية بهيئة وقوع الحدث والاستفادة من تلك الهيئة في الاستدلال .
- زيادة البيان والإيضاح .
- إيقاع التشبيه بدون أداة التشبيه وأسلوبه .
- المبالغة .
- إفادة الحالية بتصوير كيفية وهيئة الحدث بغير أسلوبه .
- إثراء التعبير .
بعدها
تناول البحث المستوى الإيقاعي للأمثال في مجمع الميداني , وبينت في هذا
المبحث علاقة الظاهرة الصوتية بالتعبير والتصوير , وخلصت إلى وجود علاقة
ظاهرة وقوية بين الظاهرة الصوتية وبين التعبير التصويري حين يؤدى باللغة ,
كما توصلت إلى أنه يمكن الاطمئنان إلى أن البنى الإيقاعية تمثل بنى تعبيرية
وتصويرية . وقد أوضحت أبرز الظواهر الإيقاعية الموجودة في أمثال مجمع
الميداني وهي : التكرار , الجناس , السجع , الإيقاع المعتمد على التقسيم
الزمني للوحدات الكلامية .
و قد خلصت إلى التالي :
1-
البنى الإيقاعية ليست زينة شكلية , أو إطاراً بنائياً , بل هي ذات وظائف
فنية ودلالية وجمالية , فهي تفيد التأكيد والمبالغة , وتضفي معاني جديدة لم
تكن موجودة من قبل , كما أنها تعمل على مفاجأة المتلقي وإدهاشه وإيناسه .
وبناء النص موافقاً للإيقاع أوقع في السمع وأذهب في الدلالة على القصد ,
وسبيلاً إلى الالتذاذ بالنص وحفظه والعمل بمؤداه , والتأثر به والقياس إليه
.
2-
البنى الإيقاعية تمثل بنى حسية ونفسية ؛ فهي حروف منطوقة , وأصوات مسموعة
وحروف مكتوبة مرئية تشارك الفن التشكيلي في التكرار البصري , وفي هذه
العلاقة ما يؤيد أن الإيقاع تعبير وتصوير ودلالة .
3-
الإيقاع بنية نحوية ودلالية وليست مجرد بنية صوتية , ومن هنا نجد التضاد
والتجانس , والتأكيد وغير ذلك , فضلاً عن استناد التعبير الإيقاعي إلى
الأثر النفسي والإيحائي لجرس الحروف عند تضامها , وإيقاع الوحدات الكلامية .
وكل
ما مضى من تحليل وبيان أو عرض إنما يخدم مستوى الدلالة , ولذا فإن هذا
المستوى قد مضى في كل مستوى سبق تناوله . وقد بينت أن دلالة المثل في مجمع
الميداني تنبني من مكونين هما :
المكون المقالي , ويشمل العناصر اللغوية وما يتصل بها مفردة أو ضمن بنية تركيبية .
المكون المقامي , وهو نتاج التفاعل بين العناصر اللغوية والسياقية والاجتماعية , ويشمل أيضاً ظروف الأداء وبواعثه ومسبباته .
ثم تطرق البحث لبيان أهم العوامل المؤثرة والفاعلة في الدلالة وهي :
- السياق , وما يتعلق به من تغيير الدلالة وفقاً لموقع المفردة وصيغتها , ووظيفتها النحوية والتعبيرية .
-
العنصر الاجتماعي , وبينت من خلال بعض الأمثال وجود أمثال لا يمكن التوصل
إلى دلالتها إلا بمعرفة السياق الاجتماعي لها , ومعرفة العادات التعبيرية
للمجتمع .
- المقام , وهو ما يحدد الدلالة بعد العنصرين السابقين , إذ يؤثر ظرف الأداء تأثيراً واضحاً في دلالة النص المُرْسَلْ .
وقد
توصلت إلى أن الدلالة في الأمثال تقوم على وجود علاقة تأويلية , ولا تكتفي
بالعلاقة التفسيرية , وتتأثر بتفاعل العناصر المختلفة المكونة والمؤثرة في
بناء لغة المثل ودلالته . وقد بينت ذلك من خلال تحليل بعض الأمثال من مجمع
الميداني , ووضحت عدم ابتناء الدلالة عند مرحلة التفسير , أما الحِكَم فإن
الدلالة فيها تميل إلى التقرير والوضوح والمباشرة.
كل ذلك دون إغفال لأحد أركان الحدث اللساني : المرسل , اللغة , المتلقي .
أما الجديد في هذه الدراسة فيتمثل في الأسلوب الذي تناولت به نصوص الأمثال في كتاب الميداني .
وبعد
هذا العرض الموجز , فالظاهر جلياً أن الأمثال في كتاب مجمع الميداني موضوع
لم يفض خاتمه بعد , ويحتاج لعدد غير قليل من الدراسات لتتناوله بالدرس
والتحليل . ومن الموضوعات المقترحة للدراسة بحيث يكون ميدانها التطبيقي
مجمع الميداني :
- شخصية العربي من خلال أمثاله .
- الجملة في كتاب الميداني دراسة أسلوبية .
- القضايا اللغوية في شرح الميداني للأمثال , مع مقارنة شرح الميداني للأمثال مع شرح أبي هلال العسكري.
- مظاهر التطور في المجتمع العربي , من خلال دراسة الأمثال القديمة والأمثال المولدة.
- سرد المثل .
- الأساليب البلاغية في المثل . مدخل لتدريس البلاغة , والتحليل اللغوي .
- الأساليب التربوية والتعليمية في المثل , نحو اعتماد الأمثال مدخلاً تربوياً في مناهجنا.
- جمالية التلقي , دراسة في شواهد الميداني .
ملخص البحث:
المثل
تعبير تصويري إيحائي أكثر منه تعبيراً مقنناً , يختلف عن الحكمة في شيوعه
وعمومه وغرضه وأدائه التصويري , وكل مثل حكمة وليس كل حكمة مثلاً , ولعله
أن يكون أقدم الفنون التعبيرية التي عرفها الإنسان , فقد يكون البذرة
الأولى للقص والإنشاء , كما إنه قد يكون ممهداً لظهور الفن الشعري .
و
يتميز فن الأمثال عن غيره من الفنون باعتماده على المتلقي , وبقدرته
الاختزالية للتجارب والأحوال . وقد نظر إليه في كتب البلاغة على أنه فن
مستقل .
وتنطلق هذه الدراسة للأمثال في كتاب " مجمع الأمثال " للميداني من عدد المحاور أهمها :
1- المثل تعبير تصويري .
2- تكامل عناصر الحدث اللساني وهي المرسل , اللغة , المتلقي .
3- تناول الوحدات والسمات الكلية للعمل الأدبي .
ويمكن إجمال مظاهر تحقق فنية التعبير والأداء في الأمثال كما وجدت في مجمع الميداني في التالي :
1-
التصوير والتشخيص . وهي أبرز السمات الفنية والجمالية للأمثال وقد استعان
مبدع المثل بعدد من الوسائط الحسية والفنية لإتمام عملية التعبير بالتصوير ,
وأبرز الوسائط الحسية كانت استعانة المبدع بالعنصر البشري والحيواني
ومظاهر الطبيعة في التعبير و التصوير , واستغل المبدع هذه المكونات الحسية
للتعبير عن المفاهيم المجردة كالخير والشر , والذل والعز , والبخل والكرم ,
وغير ذلك .
وقد وظف المبدع العناصر الحسية في التصوير عبر وسائط فنية هي :
ا-الرمز .
ب- المحاكاة .
ج- السرد والحكاية .
وهذه الوسائط الفنية لا تتحقق إلا من خلال لغة بلاغية وفنية , ولذا فإنها تحوي التشبيه والكناية والاستعارة والمجاز .
2-التنوع الإيقاعي والبديع . ومن أبرز الفنون التي يحويها المثل في مجمع الميداني :
ا- التكرار .
ب- الجناس .
ج- السجع .
د- الإيقاع المعتمد على التقسيم الزمني للوحدات الكلامية .
3- التنوع البنائي والأسلوبي . فقد تجلت في الأمثال عدد من الظواهر المعجمية والتركيبية التي تستدعي التوقف أمامها , وهي :
ا- انتماء معجم الأمثال إلى البيئة المحيطة وتمثيله لها خير تمثيل .
ب- استخدمت المفردة في الأمثال استخداماً مجازياً يخرج بها عن الأصل .
ج- استغل المبدع وسيلة التضاد بغرض البيان والإيضاح والإمتاع والتصوير .
د-
بنيت الجملة في المثل وفقاً لسنن العربية , واستفاد المبدع من آلية العدول
ليخرج بالتركيب عن الأصل إلى غيره وفق قواعد اللغة وسننها , واستغل المبدع
التنوع الأسلوبي في اللغة ليفيد منه في بناء جملة المثل , ومن مظاهر هذا
التنوع والعدول :
الحذف .
التقديم والتأخير .
المفعول المطلق .
4-
التكثيف والإيحاء والاستدلال , وهذه الخاصية غير مستقلة عن غيرها , إنَّما
هي مستندة إلى السمات السابق عرضها , كما إنها مبثوثة خلالها , ذلك إن
التكثيف والإيحاء والاستدلال أمور لا تتحقق إلا عبر لغة النص وأسلوب بنائه ,
وعناصره الفنية بما يؤدي إلى تحقق الإيجاز وتكثيف الدلالة. وهذه الخاصية
تجعل من المثل فناً يتسم بالإيجاز وكثافة التعبير وقوة الدلالة وغرابة
الاستدلال وجماله .
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire